تطور الحركة الوطنية المصرية
لا نَقصِدُ بِهَذا الكِتابِ تَأريخًا للحَرَكَةِ الوَطَنيَّةِ المِصريَّةِ؛ فَهذِهِ مَهَمَّةٌ لا يَستَطيعُ الاضطِلاعَ بِها فَردٌ واحِدٌ، وإنَّما يَكتَفي هَذا الكِتابُ بِدِراسَةِ المعالِمِ الرَّئيسيَّةِ للحَرَكَةِ الوَطَنيَّةِ، في تَطَوُّرِها، مُنذُ 1882 إلى يَومِنا هذا (1956). ولَنا مَنهَجٌ واضِحٌ في هَذِه الدِّراسَةِ، مَنهَجٌ عِلميٌّ قَوامُه أَنَّ تاريخَ التَّطَوُّرِ الاجتِماعيِّ هُوَ -أَوَّلًا، وقَبلَ كُلِّ شَيء- تاريخُ الشُّعوبِ، وأنَّ التَّاريخَ لا يُمكِنُ أَنْ يَكونَ عِلمًا حَقًّا إذا قَصَرَ نَفسَهُ عَلَى دِراسَةِ أَعمالِ المُلوكِ وقُوَّادِ الجُيوشِ، وأَخبارِ الغُزاةِ، وتَفاصيلِ المُفاوَضاتِ والمُعاهَدات. نَعَم، إنَّ للزُّعَماءِ والقادَةِ دَورَهُم في التَّاريخِ، ولَكِنَّهم لا يَستَطيعونَ أَنْ يَلعَبوا هَذا الدَّوْرَ إِلَّا بِمِقدارِ ما يُمَثِّلون قُوَّةً مُتقَدِّمَةً قَد تَهَيَّأَت لها ظُروفُ النُّضْجِ، بِحَيثُ تَستَطيعُ فِعلًا أَنْ تَسيرَ بالمُجتَمَعِ خُطوَةً إلى الأَمام. ومَعَ هَذا يَستَمِرُّ المُحَرِّكُ الحَقيقيُّ للتَّاريخِ هُوَ الشُّعوب، وتَحَرُّكاتُها، وثَوراتُها، وتَنظيمُها. ولا نَعني بِها هَذِهِ التَّحَرُّكاتِ العَفويَّةَ الطَّارِئَةَ، الَّتي ما إِنْ تَهُبَّ حَتَّى تَخْمُدَ، إنَّما هَذِهِ التَّحَرُّكاتُ العَميقَةُ المنتَظِمَةُ الَّتي تُعَبِّرُ عَن أَنَّ نِظامًا اقتِصادِيًّا وسِياسِيًّا مُعَيَّنًا أَصبَحَ لا يَصلُحُ للبَقاءِ، أَصبَحَ مُعَرقِلًا لِتَقَدُّمِ القُوى الإنتاجِيَّةٍ، أَصبَحَ مُحَطِّمًا لِمُستَوى المعيشَةِ للشَّعبِ وثَقافَتِه. ومِن ثَمَّ يَتَعيَّنُ وُجودُ نِظامٍ آخَرَ سِياسِيٍّ، ونِظامٍ آخرَ اقتِصاديٍّ، تَهُبُّ الملايينُ -بِقيادَةِ زُعَمائِهِم- مِن أَجلِ تَحقيقِه.
اسم المؤلف :- شهدى عطية عبد الشافعى
سنة النشر :- 2018
Specification List
- دار المحروسة
- Content